

تاريخ البهائية في المنطقة
ارتبط تاريخ نشأة الدين البهائي بشكل كبير بالمنطقة العربية ومجتمعاتها. فالباحث في تاريخ البهائية يجد أن معظم سنوات مرحلة البعثة وجل أحداثها الرئيسية كانت في المدن والحواضر العربية.
ولد الميرزا حسين علي الملقب ببهاء الله (وهو رسول الدين البهائي) في 12 نوفمبر 1817 بطهران في عائلة نبيلة حيث كان والده شخصية مرموقة ووزيرا معروفا في البلاط. إلا أنه ومنذ صغره لم يولِ اهتماما بمباهج الحياة المرفهة التي كانت في متناوله بحكم مكانة أسرته ومنصب والده، حيث كرس جل وقته للعناية بالفقراء ورعاية المظلومين. في ريعان شبابه توفي والده فعُرِضَ عليه أن يخلفه في الوزارة – حسب العرف المتبع آنذاك – إلا أنه رفض المنصب والمغريات المادية وسخر أوقاته وجهده وماله للأعمال الإنسانية ولمساعدة الفقراء والمحتاجين والأيتام.
ومنذ أعلن مساندته لدعوة الباب (وهي الدعوة التي أحدثت نقلة كبيرة في الحياة الاجتماعية) تغيرت حياة ذلك الشاب النبيل الموسر وأسرته بشكل دائم. فقد صوبت نحوه سنان رجال الدين المتشددين في إيران وحيكت ضده المؤامرات إلى أن سجن مع عدد من مريديه في أحد أسوأ سجون طهران المعروفة باسم "سياه تشال" أي الحفرة السوداء.
زُج ببهاء الله في زنزانة باردة رطبة كريهة الرائحة تحت الأرض كانت في الأصل خزانا للماء، مكبلاً بسلاسل واغلال لا يطاق ثقلها، وقد عانى حضرة بهاءالله من آثار تلك الأصفاد على جسمه طيلة ما تبقى من حياته. في هذا السجن تلقى حضرة بهاء الله الوحي لأول مرة وبدأت مرحلة الدعوة السرية للدين البهائي. وفور انتهاء شهور السجن بدأت رحلة نفي استمرت أكثر من 40 عامًا، حيث نفي وأسرته إلى بغداد والتي شهدت النشأة الحقيقية للدين البهائي والإعلان عن رسالته.

العراق ونشأة الدين البهائي
سعى رجال الدين المتشددين في إيران جاهدين للتخلص من بهاء الله إما بالقتل أو النفي، وفي النهاية وبعد أربعة أشهر من السجن والمعاناة الشديدة، بدأت رحلة نفيه الطويلة. في البدء تم نفيه إلى بغداد التي كانت في حينه تحت سلطة الدولة العثمانية. المتأمل في تاريخ رسالة بهاء الله يجد بأنه قضي جلَّ فترة بعثته التي امتدت لأكثر من أربعين عاما في البلاد العربية؛ ماعدا أربعة أشهر قضاها مسجونا في إيران وقرابة خمسة سنوات قضاها تحت الإقامة المحددة فيما يعرف اليوم بتركيا. وبالتالي فإن البعثة بهاء الله وأحداثها الهامة مرتبطة ارتباطا وثيقاً بالمنطقة العربية ومجتمعاتها وثقافتها. ولا أدل على ذلك من أن لغة معظم آثار حضرة بهاءالله الكتابية بما في ذلك (كتاب الاقدس) هي العربية.
استقبال العرب في بغداد لحضرة بهاء الله واتباعه كان مختلفا جدا عما حدث في إيران. فإيران شهدت وبإيعاز من رجال الدين المتشددين حملة دموية شرسة ضد كل من تأثر بحضرة بهاء الله وبكتاباته؛ بينما استقبال العرب في بغداد – وبعد ذلك في سائر المناطق العربية التي زارها – كان حافلاً بالكرم والترحاب.

أقام حضرة بهاء الله في العراق قرابة عشرة اعوام استمر فيها بالدعوة إلى نشر المحبة والاخاء والتحلي بفضائل الأخلاق ومساعدة الفقراء والمحتاجين والمظلومين وأصبح بيته معلما يتوافد إليه الآلاف من مختلف طبقات المجتمع البغدادي ابتداء من والي بغداد وأعيانها وصولا إلى المحتاجين والفقراء ومن ضاقت بهم السبل بالإضافة إلى الآلاف من مريديه. حيث يشير المؤرخ العراقي المعروف الدكتور علي الوردي في كتابه لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث" بأن عدد مريدي بهاء الله في بغداد وحدها "بلغ خمسة آلاف تقريباً".
مدينة بغداد شهدت أيضا أهم حدث في تاريخ الدين البهائي وهو الإعلان بالدعوة الجهرية عن الدين البهائي. وبذلك ارتبط أهم أعياد البهائيين (عيد الرضوان) وهو الاحتفال ببعثة حضرة بهاء الله ببغداد ومنطقة حدائق النجيبية (حدائق الرضوان) التي فيها تم الإعلان لأول مرة.

المسير من العراق إلى فلسطين
لم يرق لرجال الدين في بلاد فارس ما لقيه بهاء الله من كرم ضيافة وحفاوة في العراق وسائر المناطق العربية المجاورة، فقد كانوا يأملون أن يتسبب النفي واختلاف اللغة والثقافة في القضاء على نفوذه وتأثيره، إلا أن ما حدث هو العكس. لذا حاولوا مرارا وتكرارا الضغط على السلطات العثمانية من خلال الوشايات الكاذبة لنفي حضرة بهاء الله إلى نقطة ابعد. في النهاية قررت السلطات العثمانية نفيه إلى العاصمة إسطنبول لكسب ود رجال الدين في إيران وارضائهم من جهة وأملا في استغلال ما حضي به بهاء الله من محبة بين العرب من جهة أخرى. ولكن سرعان ما اكتشف العثمانيون (خلال أربعة أشهر) بأن حضرة بهاء الله لا يحمل طموحا سياسية وبأن هدفه هو التربية الروحية والأخلاقية لبني البشر وبث التعاليم الإنسانية التي بعث من أجلها، وبأنه لن يقبل أن يكون جزءاً من أي مخطط سياسي.
حاولت الدولة العثمانية ان تضغط عليه فقامت بنفية في عز الشتاء والبرد القارس إلى أدرنه اقصى مدينة في الجانب الأوروبي من الإمبراطورية ووضعه تحت الإقامة الجبرية. وبعد أكثر من أربعة سنوات صدر فرمان عثماني من السلطان عبدالعزيز بنفي بهاء الله واسرته وأتباعه وسجنهم في القشلة العسكرية في عكا بفلسطين، والتي كانت في حينه من اشد السجون العثمانية قسوة ومنفى لأعتى المجرمين.

بهذا الفرمان العثماني بدأت مرحلة أخرى هامة في تاريخ الدين البهائي، حيث انتقل من الجانب التركي من الدولة العثمانية إلى شمال فلسطين عن طريق البحر مرورا بالإسكندرية وبورسعيد. بقي حضرة بهاء الله في عكا قرابة 25 عاما، إلى أن توفي وانتقلت روحه الطاهرة إلى بارئها في 1892م. لقد شهدت فلسطين وعكا أحداثا هامة ونزلت فيها بعض اهم الكتابات والآيات البهائية مثل الكتاب الاقدس.

عكا و حيفا
سرعان ما أدرك أهالي فلسطين وبرية الشام بأن ضيفهم الجديد ليس مجرماً أو صاحب أهواء سياسية بل داعية إلى الخير والسلام ومكارم الأخلاق. وكما كان الحال في العراق فإن العرب رحبوا به وكانوا يكنون له ولابنه عبدالبهاء احتراما وتقديرا كبيرين ويعتبرونهم من أهالِ البلد. وقد بادلهم بهاء الله ومن بعده ابنه عبدالبهاء المحبة والتقدير نفسه، وسرعان ما تحول السجن إلى مزار لكل من لديه مسألة أو مشكلة حتى أن المراجع التاريخية تشير بأن حاكم عكا كان يزور بهاءالله في سجنه للمشورة والاخذ بنصيحته. وفيما بعد أصبح منزل عبدالبهاء مركزا يجتمع فيه المفكرون والادباء ويلجأ إليه أصحاب الحاجة والفقراء خاصة في سنوات القحط والمجاعة وفترة الحرب العالمية الأولى. وإلى وقت قريب كان الأحياء من أهالي شمال فلسطين ممن عاصروا عبدالبهاء يذكرون جيدا "عباس أفندي" وهو الاسم الذي كانوا يطلقون عليه ويكنّون له محبة وتقديرا خاصا. وإلى اليوم يحرص الكثير من عرب شمال فلسطين أن يحتفلوا بأعراسهم ومناسباتهم السعيدة في الحدائق التي أسسها عبدالبهاء بتوجيه من والده على سفح جبل الكرمل بحيفا. تتجلى حفاوة ومحبة أهالي فلسطين والمناطق المجاورة لها بحضرة بهاء الله وابنه عبدالبهاء من خلال الجنازة المهيبة التي نظمها أهالي فلسطين عند وفاة حضرة بهاء الله بعكا عام 1892م ثم لدى وفاة ابنه عبدالبهاء بحيفا في عام 1921م . حيث شهدت الجنازتان حضور الآلاف من أهالي عكا وحيفا وما جاورها من المدن والقرى الفلسطينية وكان على رأس منظميها والمتحدثين فيها مفتي عكا ومفتي حيفا وحاكما المدينتين والأعيان والمشايخ ورجال الدين ووجهاء القبائل العربية والعوائل الفلسطينية العريقة وجمع غفير من الأدباء والمفكرين والشعراء.

إن تسلسل الأحداث في تاريخ بعثة حضرة بهاءالله والتي اختتمت في عكا وحيفا بفلسطين الذي نفي إليه مع عائلته وجمع من المؤمنين بأمر من الخليفة العثماني السلطان عبدالعزيز، وما شهدته عكا وحيفا نتيجة لذلك من احداث هامة في تاريخ نشأة الدين البهائي لقرابة 25 عاما من حياة بهاء الله، ومن ثم وفاته بعكا واحتضان هذه المدينة للروضة المباركة الشريفة لحضرة بهاء الله، والسنوات المديدة التي تبعت ذلك أثناء تولي عبدالبهاء (عباس أفندي) زمام شؤون الدين البهائي، واستقرار رفاة الباب المبشر على سفح جبل الكرمل بحيفا، ووفاة عبدالبهاء في حيفا وغيرها من الاحداث الجوهرية في نشأة الدين البهائي جعلت من مدينتي عكا وحيفا حاضنة للعشرات من المواقع ذات القدسية التاريخية وأكسبتهما مكانة إيمانية رفيعة في الدين البهائي، وبالتالي أصبحتا وبصورة طبيعية المركز الروحي والإداري للدين البهائي.
كل هذه الأحداث وقعت سنوات مديدة قبل اندلاع ما شهدته المنطقة من صراعات ونزاعات عسكرية وسياسية. إن الأحداث التاريخية المرتبطة بنشأة كافة الأديان والمواقع التاريخية التي شهدت تلك الأحداث هي حقائق ثابته ذات خصوصية إيمانية لا يمكن تغييرها مهما تقادم الزمن او تغيرت الأوضاع السياسية. فالسياسات وأوضاعها بطبيعتها مؤقته تتغير بتغير الزمان، إلا أن الاحداث والمواقع التاريخية تبقى ثابتة لا تتغير.
إن ما شهدته الأديان في مراحل بعثتها من احداث تاريخية والمواقع التاريخية حقائق ثابته لا يمكن تغييرها مهما تقادم الزمن او تغيرت الاحداث. بينما الأوضاع السياسية فإنها حالات مؤقته تتغير بتغير الزمان والأحداث.

جانب من مراسم تشييع جثمان حضرة عبدالبهاء في حيفا – حيث احتشد أكثر عشرة آلاف من أهالي فلسطين وفي مقدمتهم مفتي حيفا ومفتي عكا وحاكم حيفا لوداع "عباس أفندي" الشخصية التي كان لها تأثير كبير في حياتهم.
بادية الأردن وشمال الجزيرة العربية
ارتباط الدين البهائي بالمنطقة العربية لا يقتصر على العراق وفلسطين حيث أقام فيهما حضرة بهاء الله جل سنوات بعثته والتي امتدت قرابة الأربعين عاما، بل شمل مناطق أخرى أيضاً. فالأردن شهدت عدة زيارات لعبدالبهاء قبيل الحرب العالمية الأولى، حيث أدرك بأن منطقة برية الأردن وفلسطين سوف تعاني القحط وقلة الموارد الغذائية جراء الحرب العالمية التي كانت تدق طبولها، فقام باختيار قطعة أرض قاحلة في برية الأردن وأسكن فيها عدداً من البهائيين – ذوي الخبرة في الزراعة – مؤقتا لاستصلاحها وزراعة عدد من المحاصيل الزراعية مثل الحبوب لتخزينها وإغاثة الأهالي في وقت المجاعة في المناطق المجاورة. كما وجههم إلى تدريب أهالي المنطقة من سكان البادية على أساليب الزراعة حتى يتمكنوا من الحفاظ على تلك المزارع والاستفادة منها بصورة مستمرة. ووجّه بتأسيس صفوف تعليمية لأبناء الأهالي المتواجدين في ذلك المجتمع الزراعي الحديث. تُعرف هذه المنطقة اليوم ببلدة العدسية (كون العدس من أهم المنتجات الزراعية لذلك المشروع). وبالفعل حدث ما كان يتوقعه عبدالبهاء حيث اجتاحت منطقة برية الشام والأردن وفلسطين موجه القحط الشديدة المعروفة اثناء الحرب العالمية الأولى فأصبحت العدسية سلة الغذاء لتلك المناطق وأنقذت حياة عشرات الآلاف من السكان.

العدسية تعتبر من أوائل مشاريع التنمية الاجتماعية الاقتصادية Socio Economic Project في منطقة الجزيرة العربية – إن لم تكن أولها – والتي استهدفت تحقق هدفين تنمويين رئيسيين هما:
1) توفير سلة الغذاء ومخزون احتياطي لمواجهة ازمة القحط ابان الحرب العالمية الأولى،
2) والأهم من ذلك توطين أهالي البادية قرب اراضيهم ومراعيهم من خلال استصلاح الأرض وحفر الآبار لتوفير الموارد المائية والغذائية وكذلك توفير فرص العمل لهم وتعليمهم وتدريبهم.
تشير العديد من المراجع إلى الدور الحيوي لهذا المشروع غير الربحي وما حققه من أهداف إنسانية إغاثية اثناء القحط واهداف تنموية لأهالي البادية بتلك المنطقة. وقد استحق الإشادة من العديد من الشخصيات والمؤسسات العربية والعالمية.
مصر ولبنان
زار عبدالبهاء (عباس أفندي) بيروت وعدداً من مدن المنطقة كما قام برحلته المعروفة إلى مصر حيث مكث فيها فترة من الزمن احتفى به خلالها عدد كبير من وجهاء ومفكري المجتمع المصري. وقد كانت لعبدالبهاء لقاءات ومراسلات مع عدد من أهم الشخصيات الدينية والفكرية العربية في تلك المرحلة من قبيل الشيخ محمد عبده، وأمين الريحاني، وجبران خليل جبران وشكيب أرسلان والعقاد وغيرهم، وقد أشار جميعهم في كتبهم ومقالاتهم إلى مكانة عبدالبهاء وإلى علاقتهم المتميزة به.
كتاب "عباس أفندي" الصادر من دار الجمل يعتبر مرجعا علميا ثريا يوثق في أكثر من 400 صفحة زيارة عبدالبهاء لمصر ولبنان. كما أن عددا من الباحثين العرب المعروفين كالمؤرخ سليم قبعين وعدد من الصحف العربية – في تلك الحقبة – قاموا بتوثيق جوانب عديدة من هذه الزيارة والتي وجدت احتفاءً كبيرا من النخبة الثقافية والصحافة المصرية.
وكنتيجة طبيعية لاحتضان المنطقة العربية لجل مرحلة بعثة حضرة بهاء الله ومعظم سنوات حياة ابنه وخليفته عبدالبهاء ومن بعده حفيده "شوقي أفندي"[1] الذي ولد وعاش طوال حياته في فلسطين فإن عدداً ليس بقليل من اتباع الدين البهائي ومريدي حضرة بهاء الله كانوا من العرب. كما أن الكثير من الذين آمنوا به[2] من سائر مناطق العالم هاجروا إلى المنطقة العربية ليكونوا قريبين منه. ومع مرور الوقت والحركة الطبيعة للبشر بين المدن والبلدان ووصول أخبار البهائية إلى مختلف الأقطار تزايد انتشار البهائيين في المنطقة وأصبح جزأً طبيعيا من النسيج المتنوع للمجتمعات العربية.
[1] شوقي أفندي هو الشخصية المركزية الثالثة والأخيرة في الدين البهائي
[2] في المراحل الأولى من رسالة حضرة بهاء الله انتشرت البهائية بشكل كبير في العراق وبلاد فارس والهند وبورما وتركستان ومصر وسائر المناطق العربية وتركيا وبلاد القوقاز وارمينيا وجورجيا وغيرها
.


الخليج والجزيرة العربية
تشير القرائن التاريخية إلى تواجد البهائيين في منطقة الخليج منذ العقود الأولى لنشئة الدين البهائي، فأهالي الخليج كانوا من ضمن أوائل من استقبلوا المبادئ والتعاليم التي جاء بها حضرة بهاء الله وآمن عدد منهم برسالته. وقد ساهم الترابط الاجتماعي بين الأهالي في مختلف أرجاء المنطقة وروح المودة التي تميز بها سكان الخليج وحكامها على احتضانهم والتعايش معهم بكل ود ومحبة، فهم أبناء هذه المجتمعات وجزء لا يتجزأ من نسيجها. كما أن التعاليم البهائية تؤكد على روح التعايش والمحبة مع الجميع: {عَاشِرُوا يَا قَوْمِ مَعَ الأَدْيَانِ كُلِّهَا بِالرَّوْحِ وَالرَّيْحَانِ}. وما يزيد من محبة وتقدير البهائيين لمنطقة الخليج والجزيرة العربية هو كونها مهبط الوحي ومبعث الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم الذي يؤمن برسالته كافة البهائيين حول العالم ويقدسون القرآن الكريم كجزء من صلب عقيدتهم.
كما أن المنطقة كانت قد شهدت منذ قرابة 200 عاما حدثين هامين بالنسبة للبهائيين. ففي أوائل القرن الثاني عشر الهجري احتضنت أول من تنبأ بقرب ظهور حضرة بهاء الله. وفي عام 1260 هجرية (الموافق 1844م) قام حضرة الباب وهو مؤسس البابية والمبشر بظهور بهاء الله بزيارة عدد من مدن المنطقة كمسقط ومخا وجدة ومكة المكرمة والمدينة المنورة في رحلته المعروفة.

نظرا لمحورية التعليم والتربية في الدين البهائي كأحد أهم التعاليم والمبادئ التي دعا إليها حضرة بهاء الله في رسالته، فقد اهتم البهائيون منذ صدر البهائية بالمساهمة في ترسيخ التعليم الحديث وتأسيس المدارس في مختلف مناطق العالم. وقد اعتنى حضرة عبدالبهاء (عباس أفندي) بشكل مباشر في تعزيز هذا المبدأ في منطقة الشرق الأوسط في مرحلة كان التعليم فيها مقتصرا على الكتاتيب في معظم مدن وبلدات المنطقة.
فقد ساهم عبدالبهاء (عباس أفندي) بإيجاد الوعي حول أهمية التعليم والمؤسسات التعليمية وتوفير الفرصة التعليمية للجميع من خلال مراسلاته ولقاءاته مع المفكرين والمسؤولين والعلماء، وكذلك من خلال توجيهاته الكريمة للبهائيين في مختلف الأقطار، مذكرا إياهم بأن من أهم أوجه خدمة البهائيين لأوطانهم ومجتمعاتهم العمل على تأسيس المدارس الحديثة، والحرص على أن يشمل التعليم الجميع دون أي تفريق وألا يحرم الفتيات من هذا الحق فهن أهم دعائم نماء وتقدم المجتمعات.
تشير الوثائق التاريخية إلى الدور الريادي الذي لعبه العديد من البهائيين في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين في تأسيس العشرات من أوائل المدارس في مختلف مدن وحواضر المنطقة سواء من خلال التأسيس المباشر للمدارس أو المساهمة في دعم من كانوا يبادرون بتأسيس المدارس الأولى في مناطقهم.

هذا الاهتمام بالتعليم ساهم في تأسيس المئات من المدارس حول العالم خاصة في المدن والبلدات التي لم تتوفر فيها سبل التعليم الحديث في العديد من الدول العربية وأذربيجان وإيران والهند وبورما وتركيا وغيرها. تشير القرائن بأن ما لا يقل من 10 مدن عربية كانت من ضمن المدن التي تأسست فيها أولى المدارس الحديثة نتيجة هذا الحراك التنموي.